ميتا

في مشهد يعكس احتدام المنافسة الشرسة في سباق الذكاء الاصطناعي بين كبار شركات التكنولوجيا، كشفت تقارير حديثة أن شركة “ميتا” عرضت مبلغاً ضخماً وصل إلى مليار دولار لاستقطاب أحد أبرز الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي للانضمام إلى مختبراتها المتقدمة. ورغم حجم العرض المغري، فإن الباحث رفض العرض، مما يسلط الضوء على شدة التنافس في جذب الكفاءات النادرة في هذا القطاع المتسارع.

هذا العرض الاستثنائي يعكس حجم الرهانات التي تضعها ميتا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومحاولاتها الحثيثة لتعويض تأخرها في اللحاق بثورات تكنولوجية سابقة، خاصة في قطاع الهواتف الذكية، حيث اعترف كثيرون بأن الشركة لم تكن من بين رواد تلك المرحلة. واليوم، يبدو أن الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرغ، عازم على عدم تفويت ما يعتبره “موجة الحوسبة القادمة”، وهي الموجة التي ترتكز على الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز (XR).
ميتا، التي تمتلك شبكات اجتماعية كبرى مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب، تحاول الآن إعادة تشكيل مستقبلها من خلال التركيز الاستراتيجي على الذكاء الاصطناعي التوليدي والواقع الافتراضي والمعزز، وهي مجالات باتت تشهد منافسة حامية من شركات مثل غوغل، مايكروسوفت، وأوبن إيه آي. ولتحقيق هذا الهدف، تضخ الشركة استثمارات ضخمة في البنية التحتية والأبحاث والتوظيف، وتتنافس بقوة على استقطاب ألمع العقول من الأكاديميا والصناعة على حد سواء.
وبحسب تقرير نشره موقع “PhoneArena”، فإن الشركة لا تكتفي فقط بزيادة الرواتب والعروض المالية الجذابة، بل تسعى أيضاً إلى بناء بيئة بحثية متميزة ومفتوحة، تسمح للعلماء بالعمل على مشاريع رائدة، وتوفر لهم الموارد والتقنيات المتقدمة. ويشير التقرير إلى أن ميتا تعمل حالياً على بناء نماذج ذكاء اصطناعي ضخمة، وتطوير واجهات تفاعلية بين الإنسان والحاسوب ضمن إطار رؤيتها لـ “الميتافيرس”، لكن الذكاء الاصطناعي بات يحتل الآن صدارة أولوياتها.
الرفض الذي قوبل به عرض المليار دولار قد يكون دليلاً على أن المال وحده لم يعد كافياً لاستقطاب المواهب. فالعامل الحاسم قد يكون البيئة التي تُمنح فيها حرية البحث، أو الأهداف الأخلاقية التي تسعى الشركة لتحقيقها، أو حتى الطموح الشخصي للباحثين للمساهمة في مشاريع يرونها أكثر تأثيراً أو انسجاماً مع قناعاتهم.
ما هو مؤكد أن السباق لم ينتهِ بعد، بل إن المنافسة تتصاعد يومًا بعد يوم، وسط تقديرات بأن الذكاء الاصطناعي سيغيّر وجه التكنولوجيا والاقتصاد خلال العقد القادم. وبينما تسعى ميتا للحاق بالركب، فإن هذا السباق ليس مجرد تنافس على منتجات أو أرباح، بل معركة على المستقبل ذاته، وعلى من يقود المرحلة القادمة من التحول الرقمي العالمي.
في خطوة تعكس طموحاتها الكبيرة في ميدان الذكاء الاصطناعي، تواصلت شركة “ميتا” مؤخرًا مع أكثر من 12 باحثًا بارزًا من مختبر “Thinking Machines”، أحد أهم المراكز البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي المتقدم، وذلك في محاولة منها لإقناعهم بالانضمام إلى مختبرها الجديد “Meta AGI”، الذي يركز على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي العامة أو ما يُعرف بـ”الذكاء الفائق”.
وقد كشفت مصادر مطلعة أن الشركة عرضت حوافز مالية غير مسبوقة ضمن محاولتها لجذب هؤلاء العلماء، كان أضخمها عرضًا لباحث واحد بقيمة مليار دولار، تُدفع على مدى عدة سنوات، في حين تراوحت العروض الأخرى بين 200 و500 مليون دولار يتم توزيعها خلال أربع سنوات. وبلغت المغريات حدًا غير مسبوق، حيث وُعد بعض المرشحين بعوائد تصل إلى 100 مليون دولار في السنة الأولى فقط، وهو ما يعكس مدى التنافسية والتسابق المحموم في هذا القطاع الحيوي.
ورغم هذه العروض الفلكية، لم تنجح “ميتا” في استقطاب أي من علماء “Thinking Machines”، إذ تشير المصادر إلى أن قرار الرفض لم يكن مرتبطًا بالجوانب المادية، بل جاء نتيجة مخاوف وتحفظات تتعلق بثقافة العمل داخل الشركة، ونمط القيادة الذي يتبعه مارك زوكربيرغ، وهو ما اعتبره بعض الباحثين غير متوافق مع قيمهم الأكاديمية والمهنية. ويُذكر أن متوسط راتب الباحث في مختبر “Thinking Machines” يصل إلى نحو 500 ألف دولار سنويًا، وهو رقم كبير لكنه بعيد عن عروض “ميتا”، ما يعزز فرضية أن المال لم يكن العامل الحاسم في قراراتهم.
ومع ذلك، لم تخرج “ميتا” من السباق خالية الوفاض، إذ نجحت مؤخرًا في ضم أحد خبراء الذكاء الاصطناعي من شركة “أبل” ضمن صفقة تشير إلى أن الشركة ما تزال قادرة على جذب المواهب، لا سيما في ظل استثماراتها الضخمة وطموحاتها المتنامية.
هذا الإصرار من زوكربيرغ ليس من فراغ؛ فالذكاء الاصطناعي يشكل عنصرًا جوهريًا في رؤية “ميتا” المستقبلية، وخاصة في مجال نظارات الواقع المعزز، حيث تسعى الشركة إلى إطلاق منتجات ثورية يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في تفاعل الإنسان مع التقنية. وقد استثمرت “ميتا” بالفعل مليارات الدولارات في هذا المضمار، وطرحت أجهزة مثل “Meta Quest 3” ونظارات “راي بان” الذكية، كما تعمل حاليًا على تطوير نظارات “أوريون” المتقدمة، التي من المتوقع أن تكون محورية في مستقبل الحوسبة المكانية.
ومع دخول منافسين كبار مثل “أبل”، “سامسونغ” و”غوغل” إلى سباق الواقع المعزز، تسعى “ميتا” لتأمين موقع ريادي مبكر في هذا القطاع، مستندة إلى قوتها التكنولوجية والمالية، ومعتبرة أن الذكاء الاصطناعي هو الرهان الأهم في معركة المستقبل.