ميتا

في خطوة جديدة تعكس اهتمامها المتزايد بصناعة السياسات المرتبطة بالتكنولوجيا، تخطط شركة “ميتا” (الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام) لإطلاق لجنة عمل سياسي فائقة (Super PAC) في ولاية كاليفورنيا، تهدف إلى دعم المرشحين الذين يؤيدون نهجًا أكثر مرونة في تنظيم الذكاء الاصطناعي. اللجنة، التي أُطلق عليها اسم “حشد التحول الاقتصادي في جميع أنحاء كاليفورنيا”، ستتلقى دعمًا ماليًا ضخمًا من الشركة، إذ تعتزم “ميتا” ضخ عشرات الملايين من الدولارات في هذا المشروع السياسي الطموح، وفقًا لتقرير نشره موقع “تك كرانش”.

وتأتي هذه الخطوة من “ميتا” في سياق تنافسي متصاعد بين كبرى شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، حيث أصبحت سياسة تنظيم الذكاء الاصطناعي واحدة من القضايا الأكثر إثارة للجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية. وعلى غرار ما فعلته شركة “OpenAI”، التي أعلنت مؤخرًا عن تخصيص 100 مليون دولار للجنة عمل سياسي فائقة مؤيدة للذكاء الاصطناعي، تسعى “ميتا” إلى أن يكون لها تأثير مباشر على مسار التشريعات والتنظيمات المتعلقة بهذه التكنولوجيا الحيوية.
الهدف الأساسي من لجنة “ميتا” الجديدة هو دعم المرشحين السياسيين في ولاية كاليفورنيا الذين يتبنون مواقف منفتحة تجاه الابتكار التكنولوجي، وخاصة في ما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي. يرى القائمون على المشروع أن السياسات الحالية أو المقترحة لتنظيم الذكاء الاصطناعي قد تعيق التقدم والابتكار، ولذلك يسعون إلى الدفع باتجاه قوانين وتشريعات أكثر مرونة تسمح بتطوير هذا المجال دون قيود صارمة أو مبالغ فيها.
وتُعتبر كاليفورنيا ساحة سياسية محورية في هذا الصدد، حيث إنها موطن لكبرى شركات التكنولوجيا، وتلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات التكنولوجية في الولايات المتحدة. من خلال هذه اللجنة، تسعى “ميتا” إلى التأثير في الانتخابات المحلية والولائية، وربما حتى الفيدرالية لاحقًا، من خلال دعم شخصيات سياسية تتفق مع رؤيتها حول مستقبل الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن البعض يرى في هذه الخطوات محاولة من الشركات الكبرى لتوسيع نفوذها السياسي وتجنب القوانين الصارمة التي قد تحد من أرباحها، فإن آخرين يرونها استثمارًا استراتيجيًا لضمان استمرار الابتكار في بيئة تنظيمية مناسبة. وتفتح هذه التطورات الباب أمام تساؤلات حول حدود العلاقة بين شركات التكنولوجيا وصناعة القرار السياسي، ومدى تأثير المال السياسي في توجيه السياسات العامة.
يُتوقع أن تبدأ اللجنة أعمالها خلال الأشهر المقبلة، مع اقتراب الانتخابات المحلية في كاليفورنيا. وسيتابع المراقبون هذه التحركات عن كثب، في ظل التحديات المتزايدة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على المجتمعات، لا سيما فيما يتعلق بالأمن الوظيفي، والخصوصية، والتأثيرات الأخلاقية.
في المجمل، تمثل مبادرة “ميتا” خطوة جديدة في صراع النفوذ بين الشركات العملاقة من جهة، وصناع القرار والمجتمع من جهة أخرى، حول الكيفية المثلى لتنظيم الذكاء الاصطناعي بطريقة تضمن الابتكار دون الإضرار بالصالح العام.
جادل برايان رايس، نائب رئيس شركة “ميتا” للسياسات العامة ورئيس لجنة العمل السياسي الجديدة التابعة للشركة، بأن البيئة التنظيمية الحالية قد تشكل تهديدًا مباشرًا للابتكار، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويرى رايس أن هذه البيئة، رغم نواياها الحسنة في حماية المستخدمين وضمان سلامة التقنية، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تُبطئ وتيرة التقدم، وتثقل كاهل الشركات الناشئة، وتُضعف من قدرة كاليفورنيا على الحفاظ على موقعها الريادي في القطاع التكنولوجي.
وفي هذا السياق، أبدت “ميتا” مؤخرًا معارضتها الصريحة لمشروع قانون SB-53، الذي قدمه عضو مجلس الشيوخ سكوت وينر، والذي يفرض على شركات الذكاء الاصطناعي الإفصاح عن بروتوكولات السلامة والأمن، بالإضافة إلى إلزامها بإعداد تقارير مفصلة في حال وقوع حوادث تتعلق بالسلامة. ترى “ميتا” في هذا المشروع تشديدًا قد لا يتناسب مع طبيعة الابتكار السريع في المجال، حيث إن مثل هذه التشريعات – بحسب رايس – قد تدفع الشركات نحو التردد في التجريب، خوفًا من العواقب القانونية أو الإعلامية، ما يُعيق تطور التقنية بدلًا من دعمه.
لا تقتصر معارضة “ميتا” للسياسات التنظيمية على هذا المشروع فقط. ففي العام الماضي، كان للشركة دور محوري في عرقلة قانون سلامة الأطفال على الإنترنت، وهو قانون كان من المتوقع إقراره بسهولة، نظرًا للدعم الواسع الذي حظي به من أطراف متعددة. وعلى الرغم من أهمية حماية الأطفال في الفضاء الرقمي، فإن “ميتا” ترى أن الحل لا يكمن في فرض تشريعات صارمة، بل في دعم الابتكار الذي يعزز السلامة دون تقويض حرية التطوير.
ويُظهر تأسيس لجنة العمل السياسي الجديدة مدى الجدية التي توليها “ميتا” لمسألة التأثير في السياسات العامة في كاليفورنيا، لا سيما مع اقتراب انتخابات حاكم الولاية المقررة في عام 2026. فقد بدأت اللجنة بالفعل في تقديم التبرعات لعدد من المرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في محاولة لضمان تمثيل مصالح قطاع التكنولوجيا في الجدل السياسي المتصاعد حول تنظيم الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
يرى رايس أن على صانعي السياسات إيجاد توازن دقيق بين التنظيم والابتكار. فالتنظيم المفرط قد يدفع الشركات إلى نقل عملياتها إلى ولايات أو دول أقل تشددًا، ما يُفقد كاليفورنيا ميزة تنافسية كبيرة في السباق العالمي نحو ريادة الذكاء الاصطناعي. ويؤكد أن “ميتا” لا تعارض التنظيم من حيث المبدأ، بل تدعو إلى تنظيم ذكي ومرن، يُصاغ بالتعاون مع الخبراء في القطاع، ويأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الديناميكية للتكنولوجيا الحديثة.
وفي خضم هذا النقاش المحتدم، من الواضح أن “ميتا” تستعد لتكون لاعبًا محوريًا في رسم مستقبل السياسات التكنولوجية في الولاية، ليس فقط من خلال الضغط السياسي، بل عبر بناء شراكات استراتيجية قد تؤثر على نتائج الانتخابات القادمة، وبالتالي على المسار التشريعي بكامله.