تقنية

ذكاء اصطناعي

في خطوة واعدة نحو فهم أفضل للنشاط الشمسي، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية ناسا بالتعاون مع شركة آي بي إم (IBM) عن تطوير نموذج ذكاء اصطناعي متقدم يُعرف باسم “Surya” (سوريا)، يهدف إلى التنبؤ بالتوهجات الشمسية بشكل أسرع وأكثر دقة من الأساليب الحالية. وقد يشكّل هذا النموذج ثورة في طرق رصد ومتابعة الظواهر الشمسية التي قد يكون لها تأثير مباشر على الأرض والتكنولوجيا الحديثة.

 ذكاء اصطناعي
ذكاء اصطناعي

التوهجات الشمسية هي انفجارات قوية في الغلاف الجوي للشمس تنتج عنها كميات هائلة من الطاقة والجسيمات المشحونة، والتي قد تتجه أحيانًا نحو كوكب الأرض. ويمكن لهذه التوهجات أن تؤثر على الاتصالات اللاسلكية، شبكات الكهرباء، أنظمة تحديد المواقع (GPS)، وحتى الأقمار الصناعية. لذلك، فإن القدرة على التنبؤ بها مسبقًا بدقة وفعالية تُعد أمرًا بالغ الأهمية لحماية البنية التحتية الحيوية والتقنيات المعتمدة على الفضاء.

تعتمد الطرق التقليدية في الوقت الحالي على مجموعة من الأدوات المثبتة على الأرض والتي تُستخدم لمراقبة الشمس بشكل مستمر. وعندما يتم رصد توهج شمسي، تتولى الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأميركية (NOAA) مهمة تحليل البيانات وتقديم التقديرات بشأن احتمال وصول هذه التوهجات إلى الأرض وتأثيرها المحتمل.

لكن هذه المنهجية تعاني من بعض القيود، أهمها بطء معالجة البيانات وصعوبة التنبؤ بالتوهجات بدقة قبل حدوثها بفترة كافية. وهنا يأتي دور نموذج “سوريا”، الذي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وخاصة التعلم الآلي (Machine Learning)، لتحليل بيانات ضخمة من الشمس، بما في ذلك صور الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي والحقول المغناطيسية. ومن خلال تدريب النموذج على ملايين المشاهدات الشمسية السابقة، أصبح قادرًا على التعرف على الأنماط التي تسبق حدوث التوهجات الشمسية، ما يسمح بتوقعها في وقت مبكر.

يتميّز النموذج الجديد بأنه مفتوح المصدر، ما يعني أن الباحثين حول العالم سيكون بإمكانهم استخدامه وتطويره وتحسينه. وقد تم تدريب “سوريا” باستخدام الحوسبة الكمية المتقدمة من آي بي إم، إلى جانب تقنيات التعلم العميق، ليُظهر دقة تنبؤية ملحوظة في التقدير الزمني والمكاني للتوهجات.

يأمل العلماء في أن يُحدث هذا التقدم قفزة نوعية في علم الطقس الفضائي، وأن يساهم في بناء أنظمة إنذار مبكر أكثر فعالية. كما أن هذا النوع من التعاون بين وكالات الفضاء والشركات التقنية الكبرى يمثل نموذجًا ناجحًا في توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة البحوث العلمية وحماية المجتمعات من المخاطر الطبيعية ذات الطابع الكوني.

في المستقبل، قد يكون بمقدور هذا النموذج ليس فقط التنبؤ بالتوهجات الشمسية بدقة عالية، بل وربما التنبؤ بالعواصف الشمسية الشديدة التي قد تُشكّل خطرًا أكبر على الأرض، مما يمنح العالم فرصة للاستعداد المسبق وتقليل الآثار السلبية المحتملة.

التوهج الشمسي هو ظاهرة فلكية شديدة القوة تحدث على سطح الشمس، وتتميز بانفجار مفاجئ يطلق كميات هائلة من الطاقة على شكل ضوء وحرارة وجسيمات مشحونة. يمكن أن يؤثر هذا التوهج على كوكب الأرض، خاصة إذا كان موجهاً نحونا، حيث قد يؤدي إلى اضطرابات في الاتصالات والأقمار الصناعية، وحتى الشبكات الكهربائية. ولذلك، فإن القدرة على التنبؤ بهذه التوهجات تمثل أهمية كبيرة في مجالات الطقس الفضائي وأمن التكنولوجيا.

في هذا السياق، برز نموذج ذكاء اصطناعي متقدم يُدعى “Surya”، وهو اسم مستمد من اللغة السنسكريتية ويعني “الشمس”. يتميز هذا النموذج بكونه مفتوح المصدر، ومتاحاً عبر منصة “GitHub”، مما يتيح لأي شخص الاطلاع عليه أو استخدامه في أبحاثه وتطبيقاته. وقد تم تطوير “Surya” باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، ويحتوي على 366 مليون معلمة (Parameters)، ما يجعله من النماذج الضخمة والقوية في تحليل البيانات الشمسية.

يعتمد Surya في عمله على بنية تُعرف بالمحولات المكانية الزمانية (spatiotemporal transformers)، وهي بنية متقدمة تساعد النموذج على فهم البيانات المتغيرة بمرور الوقت والمكان، مثل حركة الشمس وتقلب نشاطها. بفضل هذه التقنية، أصبح Surya قادراً على أداء مهام معقدة مثل التنبؤ بالتوهجات الشمسية، وتحديد مناطق النشاط الشمسي، والتنبؤ بالرياح الشمسية، إضافة إلى نمذجة أطياف الأشعة فوق البنفسجية القصوى التي تصدر عن الشمس.

وقد تم تدريب هذا النموذج الذكي على كميات ضخمة من البيانات التي تم جمعها من مرصد ديناميكا الشمس التابع لوكالة ناسا، والذي يراقب الشمس منذ عام 2010، إلى جانب معلومات من ثمانية مراكز بحثية أخرى. هذا التنوع في مصادر البيانات عزز من دقة النموذج وعمق فهمه للظواهر الشمسية المختلفة.

من بين الاستخدامات المحتملة والمهمة لهذا النموذج، هو التنبؤ باحتمالية وصول توهج شمسي إلى الأرض، مما يمنح العلماء القدرة على إصدار تحذيرات مبكرة حول العواصف الشمسية القادمة. هذه التحذيرات يمكن أن تساعد في حماية البنية التحتية الحساسة، مثل شبكات الكهرباء والأقمار الصناعية، التي قد تتعرض لأضرار كبيرة نتيجة العواصف المغناطيسية الأرضية الناتجة عن التوهجات الشمسية.

وعلاوة على ذلك، فإن تحسين القدرة على التنبؤ بالتوهجات الشمسية قد يسمح أيضًا بتوقع ظهور الشفق القطبي الشمالي والجنوبي بدقة أكبر، لأن هذه الظاهرة الطبيعية الساحرة تنتج عن تفاعل الجسيمات الشمسية مع المجال المغناطيسي للأرض. وبهذا، لا يقتصر دور Surya على التنبؤ بالمخاطر، بل يشمل أيضًا التنبؤ بالظواهر الطبيعية الجميلة.

في المحصلة، يمثّل نموذج “Surya” نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي والبحث الفلكي، إذ يعزز من قدرتنا على فهم الشمس، ويحسّن من استعدادنا لمواجهة تأثيراتها على كوكب الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى