تقنية

سامسونغ

بعد مرور ثلاثة أعوام من النزاع القانوني المكثف بين شركتي صناعة الشاشات الأكثر حضوراً في السوق العالمية سامسونغ ديسبلاي والشركة الصينية BOE تم الإعلان أخيرا عن التوصل إلى تسوية شاملة تنهي حالة التوتر التي طغت على علاقتهما بسبب سلسلة من الدعاوى المتبادلة المتعلقة ببراءات الاختراع والأسرار التجارية الخاصة بتقنيات تصنيع شاشات OLED. وقد شكّل هذا النزاع أحد أكثر الملفات تعقيداً في قطاع الشاشات المتقدمة إذ انخرط الطرفان في معارك قانونية امتدت إلى عدة دول وشملت اتهامات متعددة حول استخدام تقنيات سرية وتشغيل موظفين سابقين وادعاءات بنقل معلومات حساسة مرتبطة بتطوير الجيل الجديد من الشاشات العضوية.

سامسونغ
سامسونغ

جاء إعلان التسوية ليشكل نقطة تحول مهمة في مسار العلاقة بين الشركتين إذ نقل المشهد من المواجهة القانونية إلى مرحلة جديدة تقوم على قناعة مشتركة بأن استمرار التنافس داخل أطر قانونية عادلة يضمن تعزيز الابتكار ويحافظ على صحة السوق. وقد أوضح متحدث باسم سامسونغ ديسبلاي أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يعكس رؤية الطرفين في أن المستقبل التقني لا يمكن أن يتطور إلا بوجود قواعد واضحة تحكم علاقات المنافسة بين الشركات الكبرى. كما أشار إلى أن جميع الدعاوى والقضايا التي كانت منظورة أمام المحاكم أو قيد المتابعة سيتم سحبها وإغلاقها بالكامل بموجب هذه التسوية مما يضع حداً لسلسلة طويلة من الإجراءات القانونية التي استنزفت وقتاً وجهداً كبيرين من الطرفين.

ورغم إعلان التوصل إلى اتفاق شامل فإن بعض التفاصيل المتعلقة ببنود التسوية ظلت غير معلنة وهو ما أثار اهتمام المتابعين خاصة التقارير التي تحدثت عن احتمال أن تتضمن التسوية ترتيبات مالية أو اتفاقات ترخيص خاصة بالتقنيات محل النزاع. وقد رفضت سامسونغ التعليق على ما تردد بشأن قيام BOE بدفع رسوم ترخيص مقابل استخدام بعض التقنيات المرتبطة بتطوير شاشات OLED مؤكدة أن الاتفاق يركز على فتح صفحة جديدة في العلاقة وتجنب إثارة أي تفاصيل يمكن أن تعيد إشعال الخلافات السابقة. أما شركة BOE فلم تصدر أي بيان رسمي بهذا الشأن حتى الآن وهو ما زاد من حالة الغموض المحيطة ببعض بنود الاتفاق.

ويشير مراقبون إلى أن التوصل إلى هذه التسوية قد يعيد رسم ملامح المنافسة في سوق الشاشات خصوصاً أن الشركتين تعدان من أكبر المنتجين في العالم وتتنافسان مباشرة في مجال الشاشات المتقدمة للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وشاشات الحواسيب. وقد ساهم النزاع القانوني خلال السنوات الماضية في خلق مناخ من التوتر أثّر بدرجات متفاوتة في بعض خطوط الإنتاج وأدى إلى إعادة تقييم استراتيجيات كل شركة في مجال حماية الملكية الفكرية وتطوير الابتكار. ومع انتهاء هذا النزاع يتوقع خبراء الصناعة أن يعود التركيز إلى الاستثمار في البحث والتطوير وإطلاق منتجات جديدة تعتمد على تقنيات أكثر تطوراً مع احتمال تعزيز التعاون غير المباشر بين الشركات الكبرى عبر الالتزام بقواعد المنافسة العادلة واحترام براءات الاختراع.

وفي النهاية تبدو هذه الخطوة بمثابة إعلان عن رغبة مشتركة في طي صفحة الماضي والانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على الابتكار المستدام وتوفير بيئة تنافسية صحية داخل سوق يزداد تطوراً وتعقيداً يوماً بعد يوم مما يعكس إدراك الشركتين لأهمية الاستقرار القانوني في دعم الابتكار والنمو المستقبلي.

في خطوة أثارت اهتمام قطاع التكنولوجيا العالمي، رفعت شركة سامسونغ، العملاق الكوري الجنوبي المتخصص في صناعة الإلكترونيات والشاشات، شكوى أمام لجنة التجارة الدولية الأميركية (ITC) في ديسمبر 2022، تتهم فيها الشركة الصينية BOE بانتهاك براءات اختراع متعلقة بتقنية شاشات OLED. لم تتوقف سامسونغ عند هذه الخطوة، بل تبعتها بشكوى أخرى في العام 2023، تزعم فيها أن BOE قامت بسرقة أسرار تجارية عبر استقطاب موظفين سابقين لدى سامسونغ بهدف الحصول على تقنيات تصنيع حساسة. وجاءت هذه المعلومات وفق ما نشره موقع “تك كرانش”

وقد شهدت القضية تطورات حاسمة في السنوات التالية، ففي مارس 2025، أصدرت لجنة ITC قرارها بأن شركة BOE انتهكت بالفعل ثلاث براءات اختراع تعود ملكيتها لشركة سامسونغ. ويأتي هذا الحكم بعد سلسلة تحقيقات واستعراض للأدلة المتعلقة بالتقنيات المسروقة، ما يعكس جدية الانتهاكات التي وقعت حسب وجهة نظر الشركة الكورية.

إضافة إلى ذلك، خلص قرار أولي صادر عن اللجنة في يوليو من العام نفسه إلى أن BOE استولت على أسرار تجارية تخص سامسونغ، موصيًا بمنع صادرات الشركة الصينية من لوحات OLED إلى الولايات المتحدة لفترة تقارب 15 عامًا، وهو حظر محتمل كان يمكن أن يشكل ضربة كبيرة لمكانة BOE في الأسواق العالمية. ومع ذلك، تشير التقارير الأخيرة إلى أن الشركتين قد طلبتا من لجنة ITC إنهاء التحقيقات، فيما رفضت اللجنة الإدلاء بأي تعليق رسمي على هذا الطلب، مما يترك مصير النزاع مفتوحًا إلى حد ما.

تأتي هذه التطورات في وقت حساس للغاية بالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبرى، التي تسعى بشكل متزايد إلى تقليل اعتمادها على الموردين الصينيين بسبب مخاوف متعلقة بالملكية الفكرية والأمن التقني. ويعكس النزاع بين سامسونغ وBOE هذه المخاوف بشكل واضح، إذ أن حظر تصدير محتمل إلى الولايات المتحدة كان من شأنه أن يضع BOE، أحد أكبر منتجي شاشات LCD وOLED عالميًا بعد سامسونغ وLG، في موقف صعب للغاية على مستوى الإيرادات والتنافسية.

وتعد قضية سامسونغ وBOE جزءًا من سلسلة من الحوادث التي سلطت الضوء على المخاطر المرتبطة بسرقة الملكية الفكرية في قطاع الشاشات. ففي يوليو 2024، حكمت محكمة كورية بسجن مهندس سابق في سامسونغ لمدة ست سنوات بعد ثبوت قيامه بتسريب تقنيات OLED بقيمة 24.5 مليون دولار إلى شركة صينية. كما قامت السلطات الكورية الشهر الماضي بفتح تحقيقات بحق عدد من موظفي LG Display للاشتباه في قيامهم بتسريب تقنيات عرض لشركة صينية أخرى.

توضح هذه الأحداث التحديات الكبيرة التي تواجهها الشركات الكورية في حماية تقنياتها المتقدمة، كما تعكس صراعًا أوسع بين الابتكار وحماية الملكية الفكرية على المستوى الدولي. كما أن النزاع بين سامسونغ وBOE يشير إلى أن حماية الأسرار التجارية وبراءات الاختراع لم تعد خيارًا بل ضرورة استراتيجية، خاصة في قطاع تهيمن فيه المنافسة التقنية والابتكار السريع على السوق العالمي.

وبالتالي، فإن الخطوات التي اتخذتها كل من سامسونغ وBOE أمام لجنة ITC ليست مجرد نزاع قانوني، بل تعكس أيضًا التوازن الدقيق بين مصالح الشركات الكبرى والأمن التقني في عالم تتزايد فيه المخاطر المتعلقة بالملكية الفكرية وتسريب التقنيات الحساسة. في الوقت نفسه، فإن متابعة هذه القضية ستبقى مهمة لفهم تأثير النزاعات القانونية على سلاسل التوريد العالمية، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا العالية وشاشات العرض المتقدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى