الذكاء الاصطناعي
برز روبوت المحادثات الصيني DeepSeek في الآونة الأخيرة بسبب أدائه المتميز بتكلفة منخفضة جداً، مما أثار دهشة في عالم التكنولوجيا. وقد أظهر DeepSeek أن التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي ليس مرهوناً فقط بالإنفاق الكبير، بل يمكن تحقيقه باستخدام أساليب مبتكرة وبتكاليف أقل من تلك التي تعتمد عليها الشركات الأمريكية الكبرى.
ورغم أن DeepSeek يمثل فوزاً لبكين في سباق الذكاء الاصطناعي أمام واشنطن، إلا أنه منح أوروبا أيضاً الأمل في إمكانية التنافس، بعد أن بدا أن التفوق قد حُسم لصالح الولايات المتحدة، خاصة بعد إعلانها الأسبوع الماضي عن مشروع “ستارغيت” الذي يهدف إلى تخصيص 500 مليار دولار لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي.
وظهر DeepSeek كدليل على أن النجاح في هذا المجال لا يتطلب إنفاق أموال طائلة أو الاعتماد على شرائح متطورة جداً، وهي مجالات تتمتع فيها الولايات المتحدة بميزة كبيرة. إذ أن تكلفة إنشاء وتطوير روبوت DeepSeek لم تتجاوز 5.6 مليون دولار، في حين تجاوزت تكلفة تطوير روبوت ChatGPT الأمريكي 100 مليون دولار.
أمل جديد لأوروبا
بحسب تقرير نشرته “وكالة فرانس برس” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أكد نيل لورانس، أستاذ التعلم الآلي في جامعة كامبريدج البريطانية، أن نموذج DeepSeek يتحدى الفكرة القائلة بأن العالم بحاجة إلى تريليون دولار لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي العام. وأوضح لورانس أن “التغيير البسيط في الوصفة” الذي قدمه DeepSeek يعكس “لمحة عن الابتكار” الذي سيشكل المستقبل، مما يعد مؤشراً مشجعاً للغاية لأوروبا التي تضم بعضاً من أقوى الباحثين التقنيين في العالم.
وأضاف لورانس أن على أوروبا أن تدرك أين تكمن قوتها، فهي ليست بحاجة إلى استثمارات ضخمة، بل إلى أشخاص يهتمون بما يحتاجه الناس في بلدانهم وقاراتهم، وليس إلى أحدث الاتجاهات التي يروج لها سام ألتمان، رئيس شركة OpenAI.
DeepSeek خبر جيد لأوروبا
يرى لوران دوديه، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الفرنسية LightOn، أنه من المثير للاهتمام أن أوروبا لا تحتاج إلى مشروع ضخم مثل “ستارغيت” لجذب الانتباه، مؤكداً أن الابتكار لا يتطلب ميزانيات ضخمة مثل 500 مليار دولار. كما أشار إلى أن DeepSeek يعد بتوفير نماذج أكثر كفاءة مع تقليل الحاجة إلى وحدات معالجة الرسومات، والطاقة، والتمويل، مما يعني توفير أدوات أكثر ملاءمة للأسواق المحلية والشركات الصغيرة، بدلاً من نموذج مركزي يعتمد على موارد ضخمة.
من جانبه، يرى نيكولاس جوديميت، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة الاستشارات Onepoint، أن ما حدث يظهر قوة المنافسة في السوق، مما سيؤدي إلى حرب أسعار، وهو ما يُعتبر خبراً جيداً للمنافسين الأوروبيين. كما أضاف أن الشركات الأوروبية تمتلك “ورقة قوة” يمكن استثمارها، وهي الأمان وضمان أن تبقى البيانات في أوروبا ويتم التعامل معها من قبل أشخاص مصالحهم وقراراتهم مرتبطة بالقارة.
أوروبا تخلّصت من نقطة ضعف
قال المحلل والكاتب المختص في الذكاء الاصطناعي، ألان القارح، في مقابلة مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أوروبا كانت تواجه ضعفاً ملحوظاً في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بالولايات المتحدة والصين. وأوضح أن هذا الضعف يعود إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها صعوبة توفير رأس المال الكافي لتطوير هذه التكنولوجيا، بالإضافة إلى تحديات جذب المواهب المتخصصة، حيث يفضل العديد من الباحثين والشركات الناشئة الانتقال إلى دول مثل الولايات المتحدة والصين، التي توفر فرصاً أكبر للنمو والإبداع. وأضاف أن ظهور شركة DeepSeek قد ساعد في تغيير الوضع، حيث مكنت الشركات الأوروبية التي لم تحصل على استثمارات ضخمة من تحقيق نجاحات كبيرة بميزانيات أقل.
تغيير قواعد اللعبة
يعتبر القارئ أن ما نشهده حالياً هو لحظة حاسمة في عالم الذكاء الاصطناعي. إذا صحت ادعاءات شركة DeepSeek، فإن التركيز لن يكون على بناء نماذج ذكاء اصطناعي ضخمة مثل ChatGPT التي تتطلب موارد حوسبة ضخمة. بدلاً من ذلك، يمكن للشركات الآن تطوير نماذج مفتوحة المصدر تركز على تعزيز قدرات التفكير والاستنتاج. تعتمد هذه النماذج الجديدة على تقسيم المشكلات إلى أجزاء أصغر لمعالجتها بكفاءة أعلى، وهو ما يتطلب تدريباً إضافياً لضمان أن الذكاء الاصطناعي يمكنه الوصول إلى الإجابات الصحيحة التي تضاهي أكثر الأنظمة تقدماً مثل تلك التي طورتها OpenAI وGoogle. هذا التغيير يفتح أمام أوروبا فرصة حقيقية للتطور في مجال الذكاء الاصطناعي، حتى وإن لم تكن تمتلك الموارد المالية أو القدرات الحوسبية الضخمة.
غموض يستدعي الحذر
هناك نقطة خفية يجب أن نضعها في اعتبارنا عند الحديث عن ما قدمته شركة DeepSeek، مما يستدعي الحذر قبل التوصل إلى استنتاجات نهائية. فالمعلومات التي وفرتها الشركة الصينية تظل غامضة نسبياً، حيث أن جميع التحليلات في هذا الصدد تعتمد على البيانات التي نشرتها الشركة نفسها. وتجدر الإشارة إلى أن DeepSeek أكدت أن تكلفة تطوير روبوتها بلغت نحو 6 ملايين دولار، ولكن التكلفة الحقيقية تظل غير معروفة بدقة. كما أنه من الضروري الانتظار لمزيد من التوضيح بشأن ما إذا كانت DeepSeek قد قامت بتدريب روبوتاتها باستخدام تقنيات أو روبوتات من شركات منافسة، وهو ما قد يُعقد الصورة. ومع ذلك، بغض النظر عن الطريقة التي تم بها تصميم DeepSeek، فإن التوجه نحو تبني نهج أكثر انفتاحاً في تطوير الذكاء الاصطناعي يتجه ليصبح أكثر انتشاراً في المرحلة المقبلة.
فرصة على مقاس أوروبا
من جهته، يقول المطور التقني فادي حيمور في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن نجاح DeepSeek يعزز من ثقة الشركات الأوروبية في قدرتها على المنافسة، خاصة في ظل بيئة سوقية كانت تعتبر سابقاً محصورة على اللاعبين الكبار ذوي التمويلات الضخمة. ويشير إلى أن التقدم الهندسي الذي حققه DeepSeek يمثل فرصة مميزة لأوروبا، كونه يتناسب مع قدراتها المالية ونهجها القائم على الابتكار من خلال البحث والتطوير. هذا يمنحها فرصة حقيقية لتقليص الفجوة مع الولايات المتحدة والصين.
ويؤكد حيمور أن نجاح روبوت المحادثة الصيني DeepSeek يمثل دفعة استراتيجية لأوروبا في تطوير ذكاء اصطناعي أكثر أماناً وموثوقية. ومع تزايد القلق العالمي بشأن خصوصية البيانات والسيادة الرقمية، ترى أوروبا فرصة كبيرة لجذب الأطراف التي ترغب في تفادي الاعتماد على البنى التحتية الأميركية أو الصينية. إلا أن ذلك يتوقف على قدرة أوروبا في تحقيق اختراقات في مجال الذكاء الاصطناعي، تماماً كما تفعل أميركا والصين في الآونة الأخيرة.