هواتف
تشير تسريبات متداولة في أوساط صناعة التقنية إلى أن سوق الهواتف الذكية قد يكون على موعد مع تحولات غير متوقعة خلال عام ألفين وستة وعشرين، حيث تلوح في الأفق ملامح تغيير جوهري في توجهات الشركات المصنعة فيما يتعلق بسعات الذاكرة العشوائية. فبعد سنوات من السعي المستمر نحو رفع المواصفات التقنية وتسويق الهواتف بسعات ذاكرة مرتفعة، يبدو أن هذا المسار قد يشهد تباطؤاً واضحاً، بل وربما تراجعاً ملحوظاً في بعض الفئات.

وتوضح هذه التسريبات أن الهواتف المزودة بذاكرة عشوائية بسعة ستة عشر غيغابايت قد تشهد انخفاضاً كبيراً في انتشارها، بعد أن كانت خلال الفترة الماضية رمزاً للقوة والأداء العالي، خصوصاً في الأجهزة الرائدة الموجهة لمحبي الألعاب والاستخدام المكثف. في المقابل، تشير المعطيات إلى عودة لافتة لهواتف بسعة أربعة غيغابايت من الذاكرة، وهي سعة كانت تُعد في وقت قريب محدودة ولا تلبي متطلبات المستخدمين المتزايدة.
ويرتبط هذا التحول المتوقع بشكل مباشر بالارتفاع المستمر في أسعار شرائح الذاكرة، سواء كانت ذاكرة الوصول العشوائي أو وحدات التخزين الداخلية. فالتقارير الحديثة تؤكد أن تكلفة إنتاج هذه المكونات تشهد زيادة ملحوظة نتيجة عوامل متعددة، من بينها اضطرابات سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف التصنيع، إضافة إلى تزايد الطلب العالمي على أشباه الموصلات في قطاعات أخرى مثل السيارات الذكية ومراكز البيانات.
هذا الارتفاع في التكاليف بدأ ينعكس بالفعل على أسعار الهواتف المطروحة في الأسواق، حيث بات المستهلك يلاحظ فروقاً واضحة مقارنة بالأعوام السابقة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك إطلاق هاتف آي كيو أو خمسة عشر، الذي سجل زيادة كبيرة في سعره وصلت إلى نحو ثلاثة وثلاثين في المئة مقارنة بالإصدار الذي سبقه في السوق الهندية. وقد أثار هذا الارتفاع ردود فعل متباينة بين المستخدمين، بين من يتفهم الأسباب المرتبطة بالتكلفة، ومن يرى أن الأسعار باتت تتجاوز القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المستهلكين.
وفي ظل هذه الظروف، قد تجد الشركات نفسها مضطرة لإعادة النظر في استراتيجياتها التسويقية والتقنية، من خلال تقديم أجهزة بمواصفات متوازنة تركز على تحسين الأداء عبر البرمجيات والمعالجات بدلاً من الاعتماد فقط على رفع سعة الذاكرة. كما أن أنظمة التشغيل الحديثة أصبحت أكثر كفاءة في إدارة الموارد، ما قد يسمح بتقديم تجربة استخدام مقبولة حتى على أجهزة بذاكرة أقل.
وبناء على ذلك، من المتوقع أن يشهد عام ألفين وستة وعشرين تنوعاً أكبر في الخيارات المطروحة أمام المستخدمين، مع عودة الاهتمام بالهواتف الاقتصادية والمتوسطة، وتراجع نسبي في سباق المواصفات القصوى. هذا التحول قد يعيد رسم ملامح سوق الهواتف الذكية، ويؤكد أن الابتكار لا يرتبط دائماً بالأرقام الكبيرة، بل بالقدرة على تحقيق التوازن بين الأداء والسعر وتجربة المستخدم.
خفض المواصفات بدل رفع الأسعار
رغم أن زيادة الأسعار قد تبدو خياراً منطقياً من منظور الشركات، فإنها تظل خطوة معقدة في الأسواق شديدة الحساسية للسعر مثل السوق الهندية، حيث يصعب تمرير أي زيادة في التكلفة من دون تقديم تحسينات واضحة في الأداء أو الخصائص. ووفقاً لتقرير نشره موقع “gizmochina” ” فإن هذا الواقع يدفع الشركات للبحث عن بدائل أخرى أقل تأثيراً على المستهلك.
تقرير يتوقع سيطرة آيفون فولد على 22% من سوق الهواتف القابلة للطي
وبحسب تسريب شاركه أحد المطلعين عبر منصة “Naver”، قد تتجه الشركات إلى تقليص سعات الذاكرة العشوائية بدلاً من رفع الأسعار، في محاولة للتخفيف من الأعباء الناتجة عن ارتفاع تكاليف التصنيع.
وتشير المعطيات إلى أن الهواتف المزودة بذاكرة عشوائية بسعة 16 غيغابايت قد تصبح نادرة بحلول عام 2026، مع اقتصار توفرها على بعض الإصدارات الخاصة أو المحدودة من عدد قليل من الشركات.
في المقابل، من المتوقع أن تشهد الهواتف التي تعمل بذاكرة 4 غيغابايت RAM انتشاراً أوسع، مع احتمال طرح بعض هذه الأجهزة بأسعار أعلى مقارنة بالوقت الحالي، رغم تراجع مواصفاتها، الأمر الذي يثير مخاوف المستهلكين.
وتوضح التسريبات أن هواتف 12 غيغابايت RAM قد تشهد انخفاضاً في انتشارها بنسبة تصل إلى 40%، على أن تستبدل بطرازات تعمل بذاكرة 6 أو 8 غيغابايت. كما يُتوقع تراجع هواتف 8 غيغابايت RAM بنحو 50%، مقابل زيادة ملحوظة في الأجهزة المزودة بذاكرة 4 و6 غيغابايت.
أزمة ذاكرة تمتد إلى قطاعات أخرى
وتعزو التقارير هذا التوجه إلى الارتفاع الكبير في الطلب على شرائح الذاكرة عبر قطاعات متعددة، ما تسبب في ضغوط على سلاسل الإمداد بدأت آثارها تظهر بوضوح لدى المستهلكين، سواء في الهواتف الجديدة أو حتى الأجهزة المتداولة حالياً في الأسواق.
وفي السياق نفسه، تشير تقارير إلى أن شركة “سامسونغ” تدرس رفع أسعار بعض هواتف غالاكسي الحالية في السوق الهندية، متأثرة بالضغوط ذاتها المرتبطة بتكاليف الذاكرة.
ولا يقتصر تأثير أزمة الذاكرة على الهواتف الذكية فقط، بل يمتد أيضاً إلى سوق الحواسيب الشخصية. ووفقاً لتقرير صادر عن شركة “TrendForce”، قامت شركات كبرى مثل “ديل” و”لينوفو” بإبلاغ عملائها باحتمال رفع الأسعار قريباً، مع توقعات تشير إلى زيادة أسعار حواسيب “ديل” بنسبة تتراوح بين 15 و20%.
وبذلك، يبدو أن عام 2026 قد يشهد مفارقة لافتة تتمثل في تراجع مواصفات الذاكرة مقابل ارتفاع الأسعار، في انعكاس واضح لحجم التحديات التي تواجه صناعة الإلكترونيات على مستوى العالم.




