هواوي

في أفق عالم الذكاء الاصطناعي سريع التطور، تلوح بوادر تحول استراتيجي قد يُعيد رسم ملامح المنافسة في هذا القطاع الحيوي. ويبدو أن شركة “هواوي“، الرائدة في قطاع التكنولوجيا في الصين، تستعد لخطوة جريئة تعيد تعريف مقاربتها في مجال شرائح الذكاء الاصطناعي، في وقتٍ تتسارع فيه الابتكارات وتحتدم المنافسة العالمية، خاصة مع شركات عملاقة مثل “إنفيديا”.

وفقًا لتقرير حديث نشره موقع “Android Headlines” فإن “هواوي” بدأت تُركّز بشكل ملحوظ على تطوير شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والتي تُقدَّم حاليًا بشكل أساسي داخل السوق الصينية. وتأتي هذه الخطوة كجزء من جهود الشركة لبناء منظومة تكنولوجية مستقلة وتقليل اعتمادها على التقنيات الغربية، خصوصًا في ظل القيود والعقوبات التي فُرضت عليها خلال السنوات الأخيرة.
ولكن ما يثير الاهتمام أكثر، هو ما كشفه التقرير حول أن “هواوي” تعمل حاليًا على تطوير الجيل الجديد من معالجها المعروف باسم Ascend 920 . وبدلًا من أن يكون مجرد معالج متخصص للذكاء الاصطناعي كما في النسخ السابقة، تسعى “هواوي” إلى تصميمه كوحدة معالجة رسوميات (GPU) متعددة الاستخدامات، ما يجعله قادرًا على أداء مهام أوسع تتجاوز مجرد التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ويُعد هذا التوجه بمثابة نقطة تحوّل استراتيجية. ففي عالم الحوسبة الحديثة، تمثل وحدات المعالجة الرسومية أحد الركائز الأساسية في دعم تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتعلم العميق، وتحليل البيانات الضخمة، وحتى تشغيل ألعاب الفيديو والتطبيقات ثلاثية الأبعاد. وإن كانت “هواوي” قادرة على إنتاج GPU قوي ومتعدد الاستخدامات، فإنها لا تنافس فقط في مجال الذكاء الاصطناعي، بل تفتح أمامها أبوابًا جديدة في قطاعات الحوسبة المتقدمة.
وتأتي هذه المبادرة في وقتٍ تشهد فيه السوق الصينية – والعالمية – طلبًا متزايدًا على البدائل المحلية والمستقلة لمعالجات الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية والقيود المفروضة على تصدير شرائح معينة من شركات أمريكية كـ “إنفيديا”. وإذا نجحت “هواوي” في تنفيذ هذا التوجه الجديد بفعالية، فقد تتمكن من كسر جزء كبير من هيمنة “إنفيديا” على سوق المعالجات الرسومية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وفيما تظل التفاصيل التقنية الدقيقة لهذا المعالج الجديد غير واضحة حتى الآن، إلا أن التوجه المعلن يشير إلى رغبة “هواوي” في الانتقال من دور المتابع أو المنافس المحلي إلى لاعب رئيسي عالمي في قطاع المعالجات المتقدمة. كما يعكس هذا التوجه التزام الشركة بتوسيع قدراتها التكنولوجية الذاتية، خصوصًا في المجالات الحساسة والاستراتيجية.
إن ما تقوم به “هواوي” حاليًا لا يقتصر على مجرد تطوير منتج جديد، بل هو خطوة ضمن مشروع أوسع لإعادة تموضعها عالميًا، واستعادة ريادتها في مجالات حرجة تشكل مستقبل الابتكار التكنولوجي، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي والمعالجات المتقدمة.
تعمل شركة “هواوي” على تعزيز مكانتها في سوق الذكاء الاصطناعي داخل الصين من خلال توسيع استخدام علامتها التجارية “Ascend” لتشمل شرائح ذكاء اصطناعي متقدمة. وفي ظل القيود التجارية المفروضة على الصين، والتي حدّت من قدرة “إنفيديا” على توريد أحدث معالجاتها إلى السوق الصينية، وجدت “هواوي” فرصة سانحة لتقديم بدائل محلية قوية، وعلى رأسها سلسلة معالجات Ascend 910.
تُستَخدم هذه الشرائح حاليًا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، معتمدة على منصة برمجية خاصة تُعرف باسم CANN (هندسة حوسبة الشبكات العصبية). غير أن اعتماد CANN في الصناعة لا يزال محدودًا مقارنة بمنصة CUDA التابعة لإنفيديا، والتي تعتبر معيارًا راسخًا لتطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي، مما يشكل عائقًا حقيقيًا أمام “هواوي” في سعيها للانتشار على نطاق أوسع.
لكن الشركة لا تكتفي بذلك، إذ كشفت معلومات حديثة أن “هواوي” تعمل على تطوير معالج جديد يُعرف باسم Ascend 920 ، الذي سيكون أكثر من مجرد شريحة ذكاء اصطناعي. إذ تسعى “هواوي” لأن يكون هذا المعالج وحدة معالجة رسومية متعددة الأغراض (GPU) ، يمكن استخدامها في نطاق أوسع من المهام، وليس فقط في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وإذا ما نجحت “هواوي” في تحقيق هذه الخطوة، فقد تجد نفسها في منافسة مباشرة مع كبار المصنعين في السوق مثل “إنفيديا” و”AMD”، خاصةً إذا استطاعت جعل منتجاتها متوافقة مع البرامج المعتمدة على CUDA، وهو ما تعمل عليه بالفعل من خلال برمجيات وسيطة جديدة تُتيح تشغيل تعليمات CUDA على شرائحها الخاصة.
يمثل هذا النهج حلاً ذكيًا لتخطي حاجز الاعتماد الكبير على بيئة CUDA، ويمنح مطوري البرمجيات حرية الانتقال إلى منصة “هواوي” دون الحاجة إلى إعادة كتابة الشيفرة البرمجية بالكامل. وبذلك تسعى “هواوي” إلى تقليل التكاليف والمجهود البرمجي الذي يرافق عادةً التحول إلى بنى جديدة، وهو أمر بالغ الأهمية في بيئات التطوير السريعة.
كما تشير التقارير إلى أن “هواوي” قد تستلهم بعض ميزات الشرائح من إنفيديا وAMD، في خطوة تهدف إلى تقريب تصميمات أجهزتها من المعايير المعتمدة في السوق، مما يسهل عملية التبني من قبل المطورين والشركات على حد سواء.
من المتوقع أن يدخل معالج Ascend 920 مرحلة الإنتاج الضخم في عام 2026 ، ما يعني أن لدى “هواوي” متسعًا من الوقت لتطوير المنصة بشكل قوي ومتكامل. ومع أن أداء هذه الشريحة في الألعاب قد لا يكون بمستوى شرائح “إنفيديا” المخصصة لهذا المجال، إلا أن قيمتها الحقيقية تكمن في تقديم خيار بديل لمطوري الذكاء الاصطناعي داخل الصين وخارجها، خاصةً في ظل القيود الأمريكية المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية.
بشكل عام، تُظهر “هواوي” تصميمًا واضحًا على دخول سوق وحدات المعالجة الرسومية والذكاء الاصطناعي بقوة، ليس فقط من خلال تطوير العتاد، بل عبر مواجهة التحديات البرمجية وسد الفجوة مع تقنيات الشركات الغربية، في محاولة لبناء منظومة متكاملة ومستقلة على المدى الطويل.