تقنية

سيري

رغم أن شركة أبل تستعد لما يمكن اعتباره أحد أكبر التحولات في تاريخها الحديث فإن الحدث الأبرز المنتظر في العام المقبل لا يتمثل في هاتف جديد أو جهاز مبتكر بل في إعادة تقديم المساعد الصوتي سيري بصيغة مختلفة كليا قد تعكس ملامح مستقبل الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي المتسارع

سيري
سيري

تسعى أبل من خلال هذا المشروع إلى إعادة تعريف سيري بعد سنوات من التراجع النسبي أمام منافسين تمكنوا من استغلال الطفرة الهائلة في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وقد وعدت الشركة المستثمرين والمستخدمين على حد سواء بأن النسخة القادمة من سيري ستكون أكثر ذكاء وقدرة على الفهم وأكثر قربا من المستخدم واحتياجاته اليومية في محاولة واضحة للحاق بركب المنافسة المحتدمة

منذ أواخر عام 2022 شهد العالم تحولا جذريا في طريقة تفاعل الأفراد مع التقنيات الذكية خصوصا بعد الانتشار الواسع لتطبيقات المحادثة المعتمدة على نماذج لغوية متقدمة وهو ما جعل غياب أبل عن هذا المشهد مثار تساؤلات متكررة خاصة أن الشركة كانت من أوائل من قدم مفهوم المساعد الصوتي إلى الهواتف الذكية عبر سيري قبل أكثر من عقد من الزمن

ورغم هذا السبق المبكر فإن سيري لم يواكب التطورات المتلاحقة بالوتيرة المطلوبة وهو ما انعكس على تجربة المستخدم وأضعف من حضور أبل في النقاش الدائر حول مستقبل الذكاء الاصطناعي ويبدو أن الشركة أدركت أخيرا أن الاكتفاء بالتحسينات التدريجية لم يعد كافيا وأن هناك حاجة إلى إعادة بناء شاملة للمساعد الصوتي من الأساس

المفارقة اللافتة أن أبل المعروفة تاريخيا بسرية خططها وحرصها الشديد على عدم الكشف المبكر عن مشاريعها وجدت نفسها مضطرة هذه المرة إلى الاعتراف علنا بتأجيل إطلاق النسخة الجديدة من سيري وهو اعتراف نادر يعكس حجم التحديات التقنية التي تواجهها الشركة في هذا المسار كما يعكس في الوقت ذاته حجم التوقعات المرتفعة المرتبطة بهذا المشروع

التأجيل لم يكن مجرد قرار إداري بل إشارة واضحة إلى أن أبل تسعى إلى تقديم منتج متكامل لا يكتفي بمحاكاة ما يقدمه المنافسون بل يحاول تقديم تجربة مختلفة تتماشى مع فلسفة الشركة القائمة على الخصوصية والتكامل العميق بين الأجهزة والخدمات ومن المتوقع أن يعتمد سيري الجديد على نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تطورا مع قدرة أكبر على التعلم من سياق الاستخدام وفهم اللغة الطبيعية بشكل أعمق

في حال نجحت أبل في تنفيذ رؤيتها فإن إطلاق سيري بحلته الجديدة قد يمثل نقطة تحول حقيقية تعيد الشركة إلى صدارة الابتكار في هذا المجال أما في حال التعثر فإن ذلك قد يرسخ الفجوة بينها وبين منافسين استثمروا مبكرا وبقوة في تقنيات الذكاء الاصطناعي ولهذا السبب ينظر الكثيرون إلى هذا المشروع على أنه اختبار حاسم لمستقبل أبل في عصر الذكاء الاصطناعي وليس مجرد تحديث تقني عابر

تأجيل إطلاق سيري الجديد

بعد أن كان من المقرر إطلاق سيري الجديد في عام 2025، أعلنت شركة أبل في مارس الماضي تأجيل الإطلاق إلى العام المقبل، رغم الحملات الترويجية السابقة، وفق تقرير نشرته شبكة سي إن بي سي واطلعت عليه العربية Business.

ضغط المنافسين يزداد

مع تزايد استخدام المستخدمين لمحادثات طبيعية وسلسة مع شات جي بي تي وكلود وجيميني، تتصاعد الضغوط على أبل للحاق بركب المنافسين.
أكد الرئيس التنفيذي تيم كوك للمستثمرين أن العمل على سيري يسير بشكل جيد، مشيرًا إلى أن التوقعات بشأن ما ستقدمه الشركة ارتفعت بشكل كبير.
وعلى الرغم من ارتفاع سهم أبل بنحو 12 بالمئة منذ بداية 2025 مدفوعًا بنجاح إطلاق آيفون 17، تظل الفجوة في الذكاء الاصطناعي واضحة مقارنة بغوغل، التي استفادت من نماذجها المتقدمة ورقائقها المتخصصة، ما رفع سهمها بأكثر من 60 بالمئة هذا العام.

وادي السيليكون يتقدم وأبل تتأنى

خلال عام 2025، أطلقت OpenAI نموذج Sora 2 لتوليد الفيديو، ووسعت Anthropic عائلة كلود، وجددت أمازون مساعد إليكسا، بينما قدمت مايكروسوفت وكلاء ذكاء اصطناعي قادرين على العمل لساعات طويلة، حتى ميتا أعادت ترتيب استراتيجياتها استعدادًا لنموذجها الجديد.
في المقابل، لم تشهد أبل أي إطلاق كبير في مجال الذكاء الاصطناعي منذ تقديم Apple Intelligence في 2024، وهي حزمة تضمنت أدوات لتوليد الصور وإعادة صياغة النصوص وتلخيص الإشعارات مع دمج محدود لشات جي بي تي.
رغم الإشادة ببعض الميزات مثل تحسين الإشعارات وتحرير الصور، واجهت أدوات أخرى انتقادات بسبب أخطاء في إعادة صياغة إشعارات الأخبار، ما دفع أبل لتعطيل هذه الميزة مؤقتًا.
أما تحديثات سيري المنتظرة، فقد تم تأجيلها بحجة الحاجة لمزيد من التطوير لتجنب خيبة أمل المستخدمين.

تغييرات إدارية ورسائل للمستثمرين

أعادت أبل ترتيب قيادة الذكاء الاصطناعي داخل الشركة.
أعلنت الشركة عن تقاعد جون جياناندريا، رئيس استراتيجية الذكاء الاصطناعي، في 2026، مع توزيع صلاحياته بين كبار التنفيذيين، وتعيين أمار سبرامانيا، أحد أبرز مهندسي جيميني سابقًا.
ويرى مراقبون أن الإعلان العلني عن هذا التعيين يعكس رغبة أبل في طمأنة المستثمرين بأنها جادة في إعادة توجيه استراتيجيتها في هذا المجال.

استراتيجية مختلفة

على عكس منافسيها الذين أنفقوا مجتمعين نحو 380 مليار دولار هذا العام على مراكز البيانات ورقائق إنفيديا، تواصل أبل نهجها المحافظ، معتمدة على رقائق من تصميمها الخاص لأسباب تتعلق بالخصوصية.
يبقى السؤال الأهم: هل ستعتمد أبل على شريك خارجي لتشغيل سيري الجديد؟ حاليًا، يحيل سيري الأسئلة المعقدة إلى شات جي بي تي، مع تلميحات سابقة لإمكانية دمج نماذج أخرى مثل جيميني مستقبلًا.
وعلى الرغم من انفتاح كوك على صفقات استحواذ كبيرة، فإن التقييمات العالية لشركات الذكاء الاصطناعي تجعل هذا الخيار شبه مستحيل، خاصة بالمقارنة مع أكبر صفقة في تاريخ أبل، وهي شراء Beats مقابل 3 مليارات دولار.

الوقت لا يزال في صالح أبل

حتى الآن، لم تؤثر محدودية الذكاء الاصطناعي على مبيعات آيفون، إذ تتوقع أبل نموًا قويًا في الإيرادات مع استمرار هيمنتها على سوق الهواتف الذكية.
لكن داخل الشركة، يدرك التنفيذيون أن الذكاء الاصطناعي قد يعيد تشكيل مستقبل الأجهزة بالكامل.
الخطر الأكبر ربما يأتي من الشريك نفسه؛ إذ تعمل OpenAI بالتعاون مع المصمم جوني آيف على أجهزة جديدة قد تعيد تعريف تجربة المستخدم بعيدًا عن الهاتف الذكي.
رغم ذلك، يرى محللون أن أمام أبل نافذة زمنية محدودة، لكنها كافية بشرط واحد: عند وصول سيري الجديد، يجب أن يكون أداؤه مثاليًا بلا أعذار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى