غوغل

في خطوة تعكس حجم المنافسة المحتدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، كشفت تقارير وشهادات رسمية أدلى بها شهود في محكمة أميركية أن شركة “غوغل” قد استثمرت مبالغ طائلة لدعم انتشار مساعدها الذكي الجديد “جيميني”، وذلك عبر شراكة استراتيجية مع شركة “سامسونغ”. وتستهدف هذه الخطوة ترسيخ وجود “جيميني” كمساعد افتراضي على هواتف “غالاكسي”، بما يعزز من حضوره في سوق الهواتف الذكية الذي يشهد تطورات متسارعة.
التعاون بين العملاقين “غوغل” و”سامسونغ” قد بدأ مع مطلع عام 2025

بموجب عقد يمتد لعامين على الأقل. ويشمل هذا العقد بنودًا مالية سخية، حيث تلتزم “غوغل” بدفع مبلغ شهري ثابت لشركة “سامسونغ”، إضافة إلى منحها نسبة من عائدات الإعلانات المرتبطة باستخدام خدمات “جيميني” على أجهزة “غالاكسي”. ويأتي هذا الاتفاق كجزء من استراتيجية غوغل الواسعة لنشر تقنياتها الذكية وتعزيز قدرتها التنافسية في سوق المساعدين الرقميين، في مواجهة منافسين مثل “سيري” من “آبل” و”أليكسا” من “أمازون”.
من جهة أخرى، أشار تقرير نشره موقع “PhoneArena” إلى أن هذا النوع من الاتفاقات يعكس التغيرات العميقة في طريقة تعامل الشركات التقنية مع الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد التركيز منصبًا فقط على تطوير تقنيات قوية، بل أصبح من الضروري أيضًا تأمين قنوات توزيع فعالة لتلك التقنيات، سواء عبر شراكات مع صانعي الأجهزة أو من خلال توسيع الحضور البرمجي داخل التطبيقات والأنظمة الذكية.
يُمثل الجيل الجديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي من غوغل
يمتاز بقدرته على إجراء محادثات طبيعية أكثر تطورًا، بالإضافة إلى دمجه العميق بخدمات الشركة المختلفة مثل البحث والبريد الإلكتروني وتقويم جوجل. وبتثبيته كمساعد افتراضي في أجهزة “غالاكسي”، تسعى غوغل إلى ضمان وصوله إلى قاعدة مستخدمين ضخمة حول العالم، بما يسهم في جمع المزيد من البيانات وتحسين تجربة المستخدم باستمرار.
وفي ظل هذه التطورات، من المتوقع أن تشهد سوق الهواتف الذكية تغييرات في خريطة استخدام المساعدين الشخصيين، حيث سيصبح لمستخدمي “غالاكسي” خيار جديد وأكثر تكاملًا بفضل الدعم المباشر من “غوغل”. ومع استمرار الحرب التكنولوجية بين الشركات الكبرى، فإن مثل هذه الشراكات قد تُشكل مستقبل العلاقة بين البرمجيات والعتاد، بما يعيد رسم حدود السيطرة في عالم التقنية.
خلال جلسة الاستماع التي عقدت في إطار القضية الكبرى لمكافحة الاحتكار ضد شركة “غوغل”، قدّم نائب رئيس “غوغل” للمنصات والشراكات، بيتر فيتزجيرالد، شهادته أمام القاضي الفيدرالي أميت ميهتا، كاشفًا عن تفاصيل مثيرة تتعلق بالتنافس المحموم على شراكات الذكاء الاصطناعي، لاسيما مع شركة “سامسونغ”. وأوضح فيتزجيرالد أن “سامسونغ” لم تكن هدفًا حصريًا لـ”غوغل”، بل تلقت عروضًا مغرية من عمالقة آخرين مثل “مايكروسوفت”، “ميتا” و”OpenAI“، غير أن العرض الذي قدمته “غوغل” كان الأكرم والأكثر سخاءً من حيث العوائد والامتيازات.
رغم ضخامة الاتفاقية، بيّن فيتزجيرالد أن الصفقة الموقعة مع “سامسونغ” لا تقيّد الشركة الكورية بشكل مطلق. بل تظل “سامسونغ” قادرة على دمج تطبيقات وأنظمة ذكاء اصطناعي توليدي أخرى ضمن أجهزتها، سواء من المنافسين أو من مطورين جدد، ما يمنحها مرونة تقنية وتجارية تعزز قدرتها على الابتكار وتوسيع خيارات المستخدمين.
تأتي هذه التفاصيل في سياق قانوني شديد الحساسية، حيث تواجه “غوغل” اتهامات بانتهاك قوانين المنافسة العادلة، نتيجة لما وُصف بأنه استغلال لقدراتها المالية الهائلة لترسيخ وجودها في السوق. وتتهم وزارة العدل الأمريكية الشركة بدفع مليارات الدولارات لعمالقة تصنيع الهواتف مثل “أبل” و”سامسونغ” لضمان بقاء تطبيقاتها وخدماتها في مقدمة التجربة الرقمية للمستخدم.
بحسب المعلومات المتوفرة، يعتقد أن “غوغل” أنفقت ما يقارب 8 مليارات دولار بين عامي 2020 و2023 فقط لضمان تثبيت خدماتها الأساسية مثل “محرك البحث” و”كروم” و”يوتيوب” على أجهزة “سامسونغ”. وعلى الرغم من أن تفاصيل الصفقة الجديدة لم تُعلن رسميًا، إلا أن محامي وزارة العدل، ديفيد دالكويست، وصف تلك المدفوعات بأنها “ضخمة”، مشيرًا إلى استمرار “غوغل” في اتباع نفس النهج للحفاظ على هيمنتها على السوق، ما يعزز من ادعاءات الطرف المدّعي في هذه القضية.
مستقبل المنافسة في سوق التكنولوجيا
ودور الشركات الكبرى في تشكيل قواعد اللعبة الرقمية. ففي الوقت الذي تسعى فيه شركات مثل “مايكروسوفت” و”OpenAI” لتوسيع نفوذها في عالم الذكاء الاصطناعي، تستخدم “غوغل” استراتيجيات قائمة على النفوذ المالي للحفاظ على مكانتها المهيمنة، ما يثير قلق الجهات التنظيمية والمراقبين حول العالم.
بالتالي، فإن ما يجري أمام القاضي ميهتا لا يقتصر على مجرد شراكة تجارية بين “غوغل” و”سامسونغ”، بل يعكس صراعًا أعمق حول السيطرة على واجهة المستقبل الرقمي، ويفتح ملفًا حساسًا حول توازن القوى بين الابتكار، الاحتكار، واللوائح القانونية التي يُفترض أن تحمي مصلحة السوق والمستخدمين معًا.