الإنترنت

في واحدة من أكبر أسواق الإنترنت في أفريقيا، تخوض شركة “ستارلينك” التابعة للملياردير إيلون ماسك سباقاً تكنولوجياً محموماً، ويبدو أنها تقترب بثبات من انتزاع الصدارة.
من مدينة لاغوس الصاخبة وصولاً إلى القرى النائية في أرجاء نيجيريا، يتزايد الإقبال بشكل ملحوظ على أطباق ستارلينك البيضاء، التي تحوّلت إلى رمز للموثوقية والاستقرار في بلد لطالما واجه تحديات كبيرة في خدمات الإنترنت، من انقطاعات متكررة إلى تدني جودة الاتصال.
يقول كوادري عبد الفتاح، بائع إلكترونيات محلي: “لديّ 20 وحدة في المتجر، وأتوقع أن تُباع كلها خلال ساعات”، معبّراً بذلك عن حجم الطلب الكبير والثقة المتزايدة في تقنيات ستارلينك بين النيجيريين.
أرجع عبد الفتاح، الإقبال المتزايد على خدمات “ستارلينك” إلى ثلاث ميزات رئيسية: السرعة العالية، وسهولة التركيب، واستقرار الاتصال، وهي عوامل يرى أنها ساهمت في انتشار الخدمة بشكل واسع في السوق النيجيرية.
ومنذ انطلاقها في نيجيريا في يناير 2023، شهدت “ستارلينك” نمواً سريعاً، مكّنها في غضون عامين فقط من أن تصبح ثاني أكبر مزود لخدمات الإنترنت في البلاد، متجاوزة عدداً من الشركات القديمة، ولم تتفوق عليها سوى شركة “سبيكترانت” المحلية التي تملك خبرة تمتد لأكثر من 16 عاماً.
ويتوقع محللون أن تواصل “ستارلينك” هذا الزخم، مما قد يؤهلها لتصدّر السوق النيجيرية كمزود أول للإنترنت بحلول منتصف عام 2026، إذا ما حافظت على وتيرة نموها الحالية.
حاجة ملحة وسوق عطشى
يرى محللو القطاع أن تفوق “ستارلينك” في نيجيريا لم يكن مفاجئاً، بل جاء استجابة لحاجة ملحة وسوق يعاني من نقص في خدمات الإنترنت الموثوقة.
وأوضح تيميدايو أونيوسون، المدير الإداري لشركة “سبيس إن أفريكا”، أن المستخدمين في نيجيريا يبحثون عن جودة تتجاوز ما تقدمه الشركات التقليدية.
وقال: “صحيح أن ستارلينك ليست الأرخص، لكنها تفهم تماماً متطلبات السوق الأفريقية وتلبيها بذكاء”.
ويواجه مقدمو الخدمة المحليون عقبات مزمنة، من بنية تحتية ضعيفة، وبيروقراطية معقدة، وضرائب مرهقة، إلى تحديات أمنية، مما يجعلهم غير قادرين على مجاراة سرعة ومرونة “ستارلينك”.
استثمارات واستراتيجية مدروسة
عززت “ستارلينك” من تواجدها عبر بنية تحتية محلية، شملت محطة رئيسية في لاغوس، مع خطط مستقبلية لإضافة مواقع جديدة في أبيوكوتا وبورت هاركورت، ما يضمن تجربة إنترنت أكثر استقراراً للمستخدمين.
ورغم هذا النجاح، أثارت “ستارلينك” الجدل عندما قررت رفع أسعارها، مما أدى إلى اتهامات لهيئة الاتصالات بازدواجية المعايير.
وفي نهاية المطاف، سمح لمزودي الخدمة المحليين بزيادة أسعارهم بنسبة 50%، لكن هذه الخطوة جاءت على حساب ثقة المستخدمين.
أرقام تنذر بالخطر
من بين 241 مزود إنترنت مرخص في نيجيريا، لم يتجاوز عدد المزودين الذين لديهم قاعدة مستخدمين نشطة النصف حتى الربع الثالث من عام 2024.
كما فقدت شركة “سبيكترانت” وحدها أكثر من 8400 مشترك خلال عام، وهي خسارة كبيرة في سوق محدود الحجم.
وفي المقابل، دخلت “ستارلينك” السوق بقوة من خلال البيع المباشر ومنصات التجارة الإلكترونية مثل “جوميا”، ما أدى إلى نشوء سوق سوداء تباع فيها المعدات بأسعار مضاعفة.
مخاوف سيادية وأمنية
نجاح “ستارلينك” أثار قلق بعض المسؤولين بشأن الاعتماد على شركة أجنبية في قطاع الاتصالات الحيوي.
وصرّح يوسف تيميتوب، المستشار الفني في شركة “نيغكوم سات” الحكومية، أن بعض المؤسسات مثل الجيش تتجنب استخدام “ستارلينك” خوفاً من تسرب البيانات للخارج.
ورغم هذه التحفظات، ما تزال الحكومة تتبنى سياسة “الأجواء المفتوحة” التي تتيح دخول الشركات العالمية.
في المقابل، يسعى مزودو الخدمة المحليون إلى تطوير خدماتهم ومجاراة المنافسة، مثل شركة “تيزيتي” التي وسعت شبكتها لتشمل الإنترنت عبر الألياف البصرية.
وفي النهاية، أصبحت “ستارلينك” رقماً صعباً في مشهد الاتصالات في نيجيريا، ومع تزايد اعتماد الأفراد والشركات عليها، يجد اللاعبون التقليديون أنفسهم أمام خيار حاسم: التطور أو مغادرة الساحة.