تقنية

DeepSeek

ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن ليانغ وينفنغ، مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة DeepSeek، أصبح يُحتفى به في الصين كبطل رقمي، بعد أن تمكنت شركته من التنافس مع كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية رغم الموارد المحدودة التي كانت بحوزتها، بما في ذلك عدد قليل من رقاقات الذكاء الاصطناعي وفريق هندسي صغير.

وقد نجح ليانغ في نشر أبحاث تظهر إمكانية بناء نماذج لغوية ضخمة باستخدام عدد أقل بكثير من رقاقات الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تنتجها شركة إنفيديا، مقارنةً بممارسات الشركات الأمريكية الكبرى. هذا التقدم أدى إلى تراجع القيمة السوقية لشركة إنفيديا بمقدار 600 مليار دولار في فترة قصيرة، مع تساؤل المستثمرين عن جدوى إنفاق مئات المليارات على مراكز الحوسبة العملاقة الخاصة بالذكاء الاصطناعي في ظل ما حققته DeepSeek.

أفادت صحيفة فايننشال تايمز بأن ليانغ قضى عطلة رأس السنة القمرية الجديدة في قريته ميليلينغ في مقاطعة غوانغدونغ الصينية، حيث استُقبل بحرارة وسط إجراءات أمنية مشددة. وتم رفع لافتات احتفالية في القرية، التي لم تكن قد ذُكرت من قبل على الإنترنت، تحمل عبارات مثل: “ليانغ وينفنغ يعود إلى مسقط رأسه لنشر النجاح والمساهمة في إنعاش الريف”.

وقد أصبح منزل عائلته “مزارًا غير متوقع” للراغبين في زيارة مكان نشأة هذا الرجل الذي أصبح مصدر قلق لشركات وادي السيليكون الكبرى في الولايات المتحدة. وبينما يعتز سكان القرية بإنجازاته، لم يكن لديهم الكثير ليقولوه عن حياته الحالية.

من قرية صغيرة إلى قمة التكنولوجيا

ينحدر ليانغ من عائلة أكاديمية، حيث كان جده ووالداه جميعهم معلمين. يذكر أحد جيرانه، الذي يحمل نفس اللقب، أن “ميليلينغ هي قرية تضم ألف شخص يحملون اسم ليانغ”.

في المدرسة الإعدادية، يصفه أحد معلميه بأنه كان طالبًا هادئًا ومتفوقًا، لا سيما في الرياضيات، وكان شغوفًا بقراءة القصص المصوّرة. بعد إنهائه دراسته الثانوية عام 2002، التحق بجامعة تشجيانغ، حيث نال درجة البكالوريوس والماجستير في علوم الحاسوب، وكتب أطروحته حول خوارزميات كشف الحركة.

بعد تخرجه في 2010، دخل عالم التداول الآلي للأسهم، حيث بدأ كمستقل، ثم أسس صندوق التحوط “High-Flyer” في عام 2015، الذي أصبح لاحقًا واحدًا من أكبر أربعة صناديق استثمار كمّية في الصين، وهو يعتمد على الخوارزميات الرياضية في تنفيذ صفقاته.

من وول ستريت الصينية إلى سباق الذكاء الاصطناعي

بعد أن حقق ثروته من خلال التداول، انتقل ليانغ إلى مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مستفيدًا من مواهب وموارد شركة High-Flyer الحاسوبية لإطلاق مشروع DeepSeek في عام 2023. وفي هذا السياق، يقول أحد مديري الصناديق المنافسة: “ما يميز ليانغ هو أنه مهندس حقيقي. بينما نحن ندير الفرق والأموال، لا يزال هو يكتب الأكواد يوميًا”.

يتمثل الهدف المعلن لليانغ مع DeepSeek في الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو الهدف الذي تسعى لتحقيقه أيضًا شركات مثل OpenAI. هذا الهدف يعني تطوير أنظمة قادرة على التفكير النقدي بشكل مشابه للبشر. وفي تعليق لزميل له في قطاع الاستثمار الآلي، يقول: “إذا نجح ليانغ، فسيتمكن أخيرًا من القضاء على العنصر البشري تمامًا من المعادلة”.

بين دعم بكين وقيود واشنطن

تتبنى الحكومة الصينية سياسة إيجابية تجاه شركات الذكاء الاصطناعي، وقد حظي ليانغ بتقدير رسمي كبير، حيث كان قائد الذكاء الاصطناعي الوحيد الذي اختارته الحكومة للقاء علني مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ. وقد تم دعوته لتحقيق إنجازات تكنولوجية تصب في مصلحة البلاد.

وفي الوقت نفسه، تصاعدت التوترات مع الولايات المتحدة، حيث دعا بعض المشرعين الأمريكيين إلى فرض قيود إضافية على وصول الصين إلى رقائق إنفيديا، كرد فعل على إنجازات شركة DeepSeek.

الصمت سِمة ليانغ

على الرغم من كل ذلك، لا يزال ليانغ متمسكًا بالصمت، وهو أمر يتوافق مع طبيعته الشخصية. يقول أحد مديري الصناديق الذين يعرفونه: “عندما يكون الموضوع مثيرًا لاهتمامه، يمكنه التحدث لساعات، لكنه قد يلتزم الصمت فجأة لأنه يكون غارقًا في تفكير عميق. هو ليس وقحًا، بل فقط في حالة تركيز”.

لم ترد شركة DeepSeek على الاتهامات التي وجهها منافسون أمريكيون، والتي تراوحت بين اتهامها بسرقة التكنولوجيا والبيانات، أو الادعاء بأنها أداة خاضعة للدولة الصينية. وعلى الإنترنت، أصبحت شخصية ليانغ موضوعًا لتحليلات واسعة، وسط محاولات لاستخلاص أكبر قدر من المعلومات عنه.

أما بالنسبة لأهالي ميليلينغ، فتظل قصته بسيطة إلى حد كبير: ليانغ وينفنغ هو طالب مجتهد من قرية زراعية صغيرة، نجح في شق طريقه ليصبح رائدًا عالميًا في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى