تقنية

الذكاء الاصطناعي

في ظاهرة نادرة تعكس مدى التعقيدات التي يواجهها نظام التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي، وجد طلاب الجامعات الصينية أنفسهم أمام تحدٍ غير مسبوق يتطلب منهم اللجوء إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لمجرد اجتياز اختبارات مصممة خصيصًا لكشف المحتوى الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي

بدأت القصة مع شياوبينغ، طالبة في السنة الأخيرة بكلية الأدب الألماني، والتي تفاجأت بإشعار رسمي من جامعتها يقضي بضرورة خضوع جميع طلاب السنة الرابعة لاختبار إلزامي، هدفه تحديد نسبة المحتوى الذي تم توليده بواسطة الذكاء الاصطناعي في أبحاثهم وأطروحاتهم النهائية. وفقًا لهذا الإشعار، أي عمل تتجاوز فيه نسبة المحتوى المُولَّد بالذكاء الاصطناعي 30% سيتم رفضه بشكل تلقائي، مما يجعل الأمر أكثر تشددًا وحساسية بالنسبة للطلاب.

هذه الخطوة جاءت بعد انتشار واسع لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في صياغة الأبحاث، مما أثار مخاوف حول أصالة الأعمال الأكاديمية ومدى استقلالية الطالب في إنتاج محتواه العلمي. ومع ذلك، ما جعل الوضع معقدًا بشكل غير معتاد هو أن الطلاب بدأوا بدورهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي ليس فقط لكتابة أبحاثهم، بل أيضًا لمساعدتهم في اجتياز تلك الاختبارات التي تهدف إلى كشف المحتوى الآلي، وهو ما يشكل نوعًا من المفارقة الغريبة.

شياوبينغ، التي لطالما اعتمدت على البحث والكتابة الذاتية، وجدت نفسها مجبرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل نصوصها وتعديلها لتبدو أقل اعتمادًا على المحتوى الآلي، وهو أمر لم تتخيله من قبل. فبدلاً من أن يكون الذكاء الاصطناعي عونًا للمساعدة فقط، صار وسيلة للنجاة في نظام تعليمي صارم يرفض بشكل قاطع أي تداخل مبالغ فيه مع التقنية.

هذا الموقف أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط الأكاديمية وفي وسائل الإعلام، حيث تناولته عدة تقارير أبرزها تقرير موقع “Rest of World” الذي سلط الضوء على التحديات التي تواجهها الجامعات في الصين، وخصوصًا مع صعوبة موازنة الحاجة إلى تشجيع الابتكار والاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وبين الحفاظ على المعايير الأكاديمية الأصيلة والنزاهة العلمية.

توضح هذه القصة كيف أن التعليم الحديث، خاصة في الدول التي تسعى لتطوير نظامها الأكاديمي وتواكب الثورة التكنولوجية، يعاني من صراعات داخلية بين الاستفادة من التكنولوجيا والوقوع في فخ الاعتماد المفرط عليها. فالطلاب مثل شياوبينغ ليسوا فقط مطالبين بإنتاج أعمال أكاديمية أصلية، بل عليهم أيضًا التعامل مع أدوات ذكية مصممة لمراقبة مدى أصالة هذه الأعمال، مما يعكس تعقيدًا لم يكن موجودًا في حقب سابقة.

هذا الواقع الجديد يفرض على المؤسسات التعليمية إعادة التفكير في استراتيجياتها التعليمية والرقابية، فقد أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي ضرورة لا غنى عنها للطالب، حتى في سبيل إثبات أصالته. وبالمقابل، أصبح على الأكاديميين تطوير طرق تقييم أكثر دقة ومرونة تتماشى مع التطورات التقنية، بحيث لا تتحول التكنولوجيا من أداة مساعدة إلى عامل معقد يزيد من الضغوط على الطلبة.

في النهاية، تظل قصة شياوبينغ تمثل رمزًا لمأزق التعليم الحديث في ظل الذكاء الاصطناعي؛ حيث التقاطع بين التقنية والتعليم أوجد معضلة فريدة تتطلب حلولًا مبتكرة وتفهمًا عميقًا للتغيرات المتسارعة التي يعيشها العالم الأكاديمي اليوم. هذا المزيج من التحديات والفرص هو ما يشكل معالم مستقبل التعليم، ويجعلنا نفكر مليًا في كيف يمكننا التوفيق بين الأصالة والإبداع التكنولوجي في آن واحد.

رغم كتابة بحثها بنفسها.. شياوبينغ تلجأ لأدوات التحرير وتتفاجأ بنصف أطروحتها “مكتوبة بالذكاء الاصطناعي”

شياوبينغ كتبت بحثها بنفسها، لكنها استعانت ببعض أدوات التحرير مثل شات جي بي تي و”ديب سيك”، كما دفعت 10 دولارات لاختبار النص عبر منصة رسمية. وكانت المفاجأة أن نتائج الاختبار أظهرت أن نصف أطروحتها مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي.

قواعد صارمة ونتائج غير منطقية

أكثر من 12 جامعة صينية، من بينها جامعة فوتشو وجيانغسو وسيتشوان، فرضت حدودًا على نسبة المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في الأبحاث النهائية، تراوحت بين 15% و40%، مما سبب ضغطًا نفسيًا وماليًا كبيرًا للطلاب.

حتى الطلاب الذين كتبوا أبحاثهم بالكامل بأنفسهم رُفضت أعمالهم بسبب “نتائج إيجابية كاذبة” من أدوات الكشف.

على منصات التواصل الاجتماعي، عبر الطلاب عن استيائهم من اضطرارهم إلى “تبسيط” أسلوبهم الكتابي لتجنب اتهامهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، خوفًا من تصنيف أبحاثهم كغير بشرية.

وفي مشهد ساخر، لجأ الكثيرون إلى استخدام أدوات ذكاء اصطناعي لإعادة صياغة نصوصهم يدويًا لتفادي كشف الذكاء الاصطناعي.

حلقة تجارية مغلقة

الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن شركات صينية مثل CNKI وWanfang وChongqing VIP، التي تطور أدوات كشف المحتوى، تقدم في الوقت نفسه خدمات تساعد الطلاب على تجاوز هذه الأدوات! مما خلق سوقًا مزدحمًا لأدوات إعادة الصياغة، بعضها يدّعي تقديم “إعادة كتابة بشرية” بأسعار تصل إلى 100 دولار.

لكن جودة هذه الخدمات متباينة: طالبة أنفقت ما يعادل 70 دولارًا على “تحرير يدوي” لتكتشف لاحقًا أن المحرر استخدم أداة ذكاء اصطناعي بدائية، حيث تحولت عبارة “ثلاث سكاكين” – وهي زينة شعر تقليدية – إلى “أدوات بثلاث شفرات”.

طالبة أخرى ذكرت أن الأداة غيرت كلمة “شبه موصل” إلى “موصل 0.5″، ما أثار سخرية زملائها.

خوف وارتباك ومصطلحات لا معنى لها

الطلاب عبّروا عن ارتباكهم إزاء سياسات جامعية مفاجئة، لم يتم تحذيرهم مسبقًا من حظر استخدام الذكاء الاصطناعي بالكامل، رغم أنهم كانوا يستخدمونه علنًا سابقًا دون مشاكل.

مع اقتراب مواعيد التسليم، وجد كثيرون أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ مالية للحصول على نتائج منخفضة في اختبارات الكشف، دون ضمان اجتيازها.

شياوبينغ التي حاولت تعديل بحثها يدويًا مرات عدة، لجأت أخيرًا إلى حيلة بسيطة: استبدال النقاط بفواصل، ما خفض نسبة “الذكاء الاصطناعي” في نصها من 50% إلى 2%، مما سمح لها بالتخرج. لكنها عبرت بمرارة عن شعورها بأنها تُعاقب على كتابتها الدقيقة.

صوت العقل في وسط الفوضى

في ظل هذه الفوضى، أصدرت جامعة نانجينغ بيانًا تعترف فيه بعدم دقة أدوات الكشف، وحثت المعلمين على عدم الاعتماد الكلي على نتائجها.

ومع ذلك، لا تزال الأصوات المعتدلة نادرة في ظل سباق أكاديمي محتدم. أحد أساتذة جامعة شاندونغ علّق قائلاً: “المشكلة أن هذه الإجراءات تجعل الطلاب يشعرون بأن استخدام الذكاء الاصطناعي أمر مشين.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى